كانت صفقة بيع الدستور مريبة للجميع، وبها رائحة لا يمكن لأحد أن يتجاهلها، لكن الجميع – وياللعجب – رضوا بها بعد تطمينات وكلام معسول يلف الدماغ، ولم يكن التنازل عن المبادئ التي رسختها الدستور مطروحاً بأي حال من الأحوال.
في شهر رمضان وجه الملاك الجدد د. السيد البدوي شحاته والسيد رضا إدوارد الدعوة للصحفيين والعاملين في الدستور لحفل سحور في الفورسيزون. تحدث عيسى في بداية اللقاء وكان كعادته متدفقاً مؤكداً على أن الدستور لن تتغير مراهناً على الأيام. ثم تحدث السيد رضا إدوارد ليبدأ الجميع في الشعور بالصدمة. رضا إدوارد رجل أعمال وعضو بحزب الوفد وصاحب مدارس البي بي سي الشهيرة تكلم فبدأ الجميع في التهامس ثم التأفف ثم دعك مناطق الملل المعتادة في الجسم ثم في البحث عن رقم أطباء تخصص معالجات الفقع ( المرارة طبعاً) ثم بدأ البعض في الانصراف. كان الرجل يتحدث ولا يريد أحد سماعه حيث قال كل ما يليق بصحف الأمن والمخبرين والصحف القومية النص لبة التي لا تغطي أخبار الاعتصامات والمظاهرات مؤكداً أن النزول للشارع غلط وأننا لا يمكن أن نشتم أحداً وأن الدستور يجب أن تقدم شكلاً جديداً في تفاعلها مع الأحداث، وظل الرجل يرغي ويزبد حتى قال إبراهيم عيسى بصوت عال :" ده رأيك الشخصي يا أستاذ رضا".. لتضج القاعة بالتصفيق ، ومع ذلك راح رضا إدوارد يكمل وكأن هناك من يريده أن يسمع هذا الكلام. بعد أن نزل إدوارد دون أن يصفق له أحد بدأ السيد البدوي في الحديث، ليطيب بخاطر الجميع ويؤكد أن الدستور كتيبة من المقاتلين وأنه اشتراها من أجل هذا الهدف، وأن سياستها التحريرية لن تتغير أبداً. عاد الجميع إلى اطمئنانهم واستعدوا نفسياً للتعامل مع السيد البدوي على إنه الراجل الفاهم ومع إدوارد على الراجل البركة الذي لا يؤخذ على كلامه والذي يبدو كتلميذ في هذه المهنة أكثر منه مالك أو صاحب مدارس.
كان التطوير مهماً وكان الجميع يستحقون تطويراً لأن صحفيي الدستور عانوا من أصعب وأعقد وأغلس الظروف الإدارية والمالية التي يمكن أن يعاني منها شباب في مقتبل العمر استطاعوا جميعاً أن يقدموا للمهنة درساً جديداً يتعلق بالكفاءة المهنية رغم قلة الموارد. درساً في كيفية صناعة صحيفة ناجحة في ظروف زي الزفت.
بعدها..، وقبل مرور شهرين صدر قرار إقالة إبراهيم عيسى.
فليقل الملاك الذين استأسدوا وأصدروا القرار أي أسباب أياً كانت فكلها مردود عليها بأغنية محمود عبد العزيز " يا حلو بانت لبتك"
فليقولوا إن هناك فساد إداري لنخبرهم أن عيسى لا يمسك عليه أحداً ذلة، وأنه أين كان هذا الفساد طيلة السنوات الخمس السابقة؟
فليقولوا أن المعلنين ينفرون من اسم إبراهيم عيسى لنرد بأن الدستور لم تعتمد أبداً على الإعلانات في زيادة مواردها ، وأن أي رجل أعمال نص لبة يستطيع القيام بدراسة جدوى قبل إقدامه على شراء جريدة بـ16 مليون جنيه ليعرف كيف سيتعامل مع هذا الوضع.
فليقولوا أن الجريدة التي لم يمر على شرائها شهرين تخسر لنقول لهم أنه حتى تاجر المخدرات لا يحصل على مكسبه في شهرين وأن أي مشروع يا محترمين يمر بمراحل معروفة حتى يحقق أرباحه المرجوة. فليقولوا إن إبراهيم عيسى أراد الحصول على مرتبه بدون ضرائب. يعني بدون خصم 3500 جنيه من مرتبه البالغ – كما يقولون – 75 ألف جنيه لنقول لهم في هذه الحالة تحديداً: اختشوا على دمكم. حتى العرض الذي قدموه لإبراهيم عيسى لترضيته بكتابة مقال وتخصيص سيارة وسائق ومكتب مكيف بنفس المرتب ليصبح أغلى وأعلى كاتب مقال في العالم العربي رماه إبراهيم عيسى في وجوههم ورفضه تماماً لأن من يقول للغولة عينك حمرا، ومن يتكلم حين يكون البعض جبناء، ومن يدفع الثمن دائماً لا ينظر أبداً إلى فلوسهم.
لقد أخرج الملاك الجدد للدستور مسرحية هزلية ركيكة في فن تدمير الدستور من الداخل. فلم يغلقها حكم قضائي ولم يغلقها قرار المجلس الأعلى للصحافة، ولكن أغلقها ملاكها، وإن لم يكونوا قد فهموا حتى الآن أن الدستور هي إبراهيم عيسى ، وأن الدستور بدون عيسى تساوي صفراً فعندهم بالتأكيد مشكلة في الفهم والإدراك تستلزم مراجعة الطبيب.
أخرج الملاك الجدد عدداً ركيكاً من الدستور نشروا فيه موضوعات قديمة سبق نشرها واستكتبوا فيها بعض أرزقية الصحافة الذين يطالبون بالتغيير بينما لم يغيروا هم قعدتهم في كافيتريا النقابة في انتظار من يطلب منهم مقالات بالقطعة. أخرجوا عدداً يحاول أن ينال من إبراهيم عيسى بمنتهى الوضاعة، وبمنتهى الغباء، ولو أرادوا إبعاد إبراهيم عيسى بطريقة محترمة لا تجعل منهم فرجة أمام العالم لاستشاروا إبراهيم عيسى نفسه لينصحهم بسيناريو أكثر حبكة، وبخروج يحافظ على صورتهم كرجال أعمال وطنيين (أو هكذا يدعون)..، والمدهش أن الأستاذ رضا إدوارد (أو التلميذ) قال لصحفيي الدستور أنه قادر على إصدار الدستور برجله، بينما تثبت الأعداد التي صدرت دون إبراهيم عيسى وصحفييها أنها صدرت عن طريق شئ آخر "غير الرجل" وأن قراءتها تستلزم الاغتسال وصيام الكفارة.
سأظل مندهشاً من الغباء الذي سيطر على موضوع الإقالة، والانتحار السياسي الذي اختاره السيد البدوي، ومن وجود أشخاص يفكرون بنفس عقلية رضا إدوارد حتى الآن، لكنني لن أندهش أبداً من كل هذا الالتفاف حول إبراهيم عيسى، وأؤكد أن الدرس انتهى.. لموا الكراريس
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق