الاثنين، 22 نوفمبر 2010

حب مؤمن أم حب منافق

قال علي بن أبي طالب: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد النبي الأمي صلى الله عليه وسلم إلى أن لا يحبني إلا مؤمن، ولا يبغضني إلا منافق. حديث صحيح، رواه مسلم في صحيحه، والبزار في البحر الزاخر.
المؤمن يحب في الله ويبغض في الله، والمنافق يحب ويبغض لأسباب شخصية، خاصة حين يتعلق الحب والبغض بشخصية تاريخية أو شخصية عامة. من منا قابل الإمام علي حتى يبغضه أو يحبه؟ إن أجبت بأنك تحب علي لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمرك بذلك، فأنت في حاجة لمراجعة محبتك للرسول نفسه، ذلك لأنك إن كنت تحبه فيجب أن تعي ما يقوله لك وتفهم سره. هو لا ينطق عن الهوى، وواجب عليك كمؤمن أن تتعلم عمن أمرك الرسول بمحبته، وإلا تحول علي بن أبي طالب لصنم تعبده دون أن تعلم نفعا له ولا ضرا. حتى لا نطيل في هذا الشأن - لأنه ليس موضوع المقال - من خلاصة قراءاتي عن حياة الإمام علي، فهو له صفات شخصية تجعل كل مؤمن ينشد الحق يحبه، وكل منافق ينشد المصلحة، أو متعة الصحبة، أو القعدة الحلوة، يكرهه.

كان عمر بن الخطاب يقول أن اجتماع الفطنة مع الإخلاص أمر شديد الندرة، وقد اجتمع في علي الحكمة العميقة، والفطنة النافذة، مع التفاني والإخلاص والمثالية، لذا، فإن صحبته لمن عاصروه، وسيرته لمن جاءوا من بعده، طريق سليم و"سالك" لكل من ينشد الحق، ولذلك تجد محبته بين المسلمين وغير المسلمين. إلا أنني لاحظت، من خلال سيرته وخطبه، أنه ليس بالضرورة الشخص "الحبوب" الذي يحسن فن المجاملات الاجتماعية. إن كنت تنشد حقا فأنت تحبه حب مطلق وتتعوذ كعمر بن الخطاب من معضلة ليس فيها أبا الحسن، وإن كنت تنشد قضاء وقت ممتع في المسامرة، وسماع الكلام المعسول، فأنت تبغضه بشكل مطلق. ربما بسبب انشغاله بالعلم والجهاد والعبادة، لم تكن صحبته مفضلة لدى الذين لا يخلصون نيتهم لله.. تقيل عليهم يعني، مثالي ومحبكها، لا بيدادي ولا بيدلع.
لكن الأمر هنا لا يقتصر على الإمام علي، حين يقول الرسول هذا الحديث، فهو يتعمد أن يعلمنا درسا تطبيقيا عما نسمع عنه من مبدأ "المحبة في الله": أنت لا تحب الناس لشخوصهم، وإنما تحبهم لما يسخرون حياتهم من أجله، ولما يمثلونه، وما يقومون به من دور في هذه الدنيا. وكذا تبغضهم لنفس الأسباب. أنت لا تتعلق بأشخاص لأن التعلق بالأشخاص وثنية، ولا تبغض أشخاص لأن بغض الأشخاص نفاق، أنت تتعلق أو تبغض المبادئ التي يمثلها الأشخاص.

يعني مثلا أنا أعلق في غرفتي صورا لكل من: سماحة السيد حسن نصر الله، لأنه يقاوم إسرائيل (ولا يوجد شخص محترم ولا أخلاقي ولا إنساني على وجه البسيطة يرضى باستمرار دولة إسرائيل في هذا العالم، ولا يوجد شخص محترم ولا أخلاقي ولا إنساني ينكر على الناس مقاومتهم لهذه الجريمة المسماة بإسرائيل)، والشهيد فتحي الشقاقي لنفس السبب، وأبي لأنه يقاوم السلطة الغاشمة والظلم والاستغلال، وإبراهيم عيسى لنفس السبب، ومالكوم إكس لأنه كان يقاوم مذلة العنصرية. ماذا لو قابلت سماحة السيد حسن نصر الله - قول يا رب - وقال لي: إمشي يا بت من هنا.. يا باااااااي على رخامتك وغلاستك وتقل دمك.. البت دي ما تدخلش لبنان تاني ولو دخلت طخوها.. ليه يا ريس؟ كده.. دمها تقيل. هل بعد هذه المقابلة السيئة سيتغير وضع حسن نصر الله ويتحول من مقاوم إلى شخص بايخ في نظري؟ بالطبع سأفحت نفسي بكاء وأمقتها ولا أطيق النظر إليها في المرآة، لأن السيد كرهني واستثقل ظلي، لكنه سيظل سماحة السيد حسن نصر الله المقاوم لإسرائيل، ولو أن في محبتي له ذرة من نفاق لغضبت منه، لأنني في ذلك أغضب لنفسي. لا أذكر من الملابسات سوى الحوار الذي دار بيني وبين الأستاذ إبراهيم عيسى، إذ قال لي: أنت قفشت عليا؟ فأجبت على الفور: أنا عمري ما أقفش عليك أساسا. والله ما فاكرة قال كده ليه؟ لكنني أذكر جيدا إيقاظه للصحافة المصرية، وفضله على الحراك الوطني، ومواقفه الوطنية المشرفة، وأفضاله على جيل كامل، ومقاومته المستمرة لاستغلال رأس المال، وإخلاصه لكلمته التي هي سلاحه الوحيد، وهي ليست بالسلاح الهين، فقد وصفها الرسول بأنها أفضل الجهاد، واستماتته لتوعية الناس وكأنهم ضناه الذي من صلبه. المتغير الوحيد الذي يجعلني أنزل صورة من الصور المعلقة على الحائط - بما فيها صورة أبي - هو أن أنام وأستيقظ لأجد - حاشا الله - حسن نصر الله قد وقع اتفاقية مع إسرائيل واعترف بها وصافح نتانياهو، أو أن أجد إبراهيم عيسى - حاشا لله - يعمل مستشارا إعلاميا للسيد البدوي وينضم لحملة ترشيح جمال مبارك للرئاسة، أو أن يكتب أبي - حاشا لله - أوبريت حراس الوطن احتفالا بعيد الشرطة، مش هو أبويا؟ ولا أعرفه ساعتها. ذلك لأنني أحاول جاهدة أن أتعلم الدرس من رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أحب علي إلا مؤمن وما أبغضه إلا منافق. لا لأن علي لطيف وظريف، ولكن لأن الحق مع علي وعلي مع الحق، ولأنه باب مدينة العلم.

كووووووووووووووووووووول اللفة الطويلة دي لأسأل مريدي صفوت حجازي، ومريدي عمرو خالد: بعد أن أعلن صفوت حجازي أنه هو وكل القائمين على قناتي الناس والرحمة، يأتمرون بأمر أمن الدولة، وقال هذا الكلام علانية في ندوة "القنوات الدينية بين المنع والتحجيم"، وأكد أنهم جميعا يجلسون "على حجر أمن الدولة"، على أي أساس يتشنج الأخوة السلفيون دفاعا عنه وعن القناتين اللتين قام بفضحهما وفضح المصدر الذي تتلقيان منه التوجيهات؟ أنت سلفي، هل تستمع لشيوخ السلفية وهم يؤكدون أن الدولة تمكن "عباد الصليب" أم ترضون بأن مشايخكم يأتمرون بأمر الدولة التي "تمكن عباد الصليب"؟ كيف تمكنهم وتمكن عباد الصليب في ذات الوقت؟ وعشان أجيب لك من الآخر، الشيخ السلفي الذي لا يتلقى أوامر من الأمن يلقى به في غيابات الجب، ويتعرض لتعذيب سريالي، يجعله ينزف بشكل متواصل، ولكم في الشيخ محمد عزت محمد خضر عبرة، اعلم جيدا أن السلفيين بالتحديد في مصر إن لم يكونوا عملاء فهم سجناء، ولا يخرج أحدهم من الزنزانة إلا أن يقول: حقي برقبتي.. هالله هالله عالجد والجد هالله هالله عليه، ومشايخ قناة الناس يعلمون ذلك جيدا ولا يحركون ساكنا دفاعا عن "أخوتهم في الدين". لا داعي للدخول في هيستيريا الإنكار، صفوت حجازي صادق. على الأقل تحرى التحقق من الكلام الذي قاله صفوت حجازي. يا أخي طالب شيوخ قناتي الناس أو الرحمة بإيضاح وإعلان موقفهم البين من أمن الدولة الذي قال حجازي أنهم يتلقون الأوامر منه، طب أهو الأمن باعهم أهو.. ياخدوا بنط ويهاجموه. 

بعد أن قام عمرو خالد بشن حملة لمقاطعة المنتجات الأمريكية (فاكرينها؟ لما قال: لما بتشرب إزازة بيبسي كأنك بتشرب دم طفل فلسطيني.. ياخوانا ياخوانا ياخوانا)، ثم تلقى بعدها بسنوات معونة أمريكية لتمويل مشروع صناع الحياة (وقد أعلنها الرجل ولم يخفها)، بعد أن قال أنه لا دخل له بالسياسة، ثم فوجئنا به ينضم لحملة الحزب الوطني الانتخابية، بأي موجب يدافع مريديه عنه، ويبررون سلوكياته المتناقضة؟ يعني أنت مريد من مريدي عمرو خالد، هل تطيعه في مقاطعة المنتجات الأمريكية وفقا لحملته التي كانت منذ سنوات أم تغض الطرف عن التمويل الأمريكي لمشروعه الذي قبله منذ عامين؟ أنت من مريدي عمرو خالد، تنأى بنفسك عن السياسة كما يقول، أم تشارك في حملة دعم الحزب الوطني؟

أنتم أنفسكم.. حتعملوا إيه قولوا لي؟ ثم أنت تحب حجازي أو الحويني أو حسان أو عمرو خالد لسواد عيونهم ولطفهم وظرفهم وسحرهم؟ هم تامر حسني؟ أم تحبهم لأنك تصدقهم فيما يقولون؟ طيب ماذا يقولون؟ الصبح بالليل ساعة ما الشروق يخش في الغروب؟ ماهو لو أمن الدولة حلو، إذن فالدولة حلوة، ومن ثم فهي لا تمكن "النصارى" من البلاد، أو تمكنهم وهذا حلو برضه، ولو وحش، يبقى وحش، بياخدوا منهم أوامر ليه؟ وبعدين إيه حكاية "النصارى" دي؟ سايبين البلد تخرب، وبياخدوا أوامر من الأمن، وماسكين في أقلية وعمالين يقولوا لها: مش لابس الطاقية ليه؟ لو أن مقاطعة البيبسي واجبة، فالأحرى مقاطعة المعونة الأمريكية، ولو أن قبول المعونة الأمريكية قشطات، يبقى هي جات على علبة البيبسي؟ لو أنك مالكش دعوة بالسياسة، فما دور عمرو خالد في حملة المحجوب؟ ولو أن له دور في حملة المحجوب وهو حر، فما رأيه في تزوير الانتخابات، والتعذيب، وغلق المعبر، والاستبداد بالسلطة، وقانون الطوارئ، وتكميم الأفواه، وزواج رأس المال بالسلطة، وغلاء الأسعار، والفساد، وزواج النظام المصري من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، وترشح الوزير الذي هو في الأصل رجل أعمال لانتخابات المجلس التشريعي وقيام الفرد الواحد بدور النائب ورجل الأعمال والوزير ولا كأنه محمد سعد في فيلم كركر؟ ما رأي عمرو خالد في كل ذلك؟ مالوش رأي؟ طب بيعمل إيه في الحملة الانتخابية؟ طيب لو داخل الحملة الانتخابية مالوش رأي إزاي؟ أنا عايزة جملة مفيدة.
كثر الحديث عن "درء مفسدة" و"جلب مصلحة"، وكلام هلامي كده.. طيب حاضر، لماذا لا يقبل آل الدستور وعلى رأسهم إبراهيم عيسى بالعمل مع السيد البدوي درءا لمفسدة عزلهم ومنعهم وجلبا لمصلحة أكل عيشهم؟ ضابط الشرطة يقتل المتهم تعذيبا درءا لمفسدة الجريمة، وجلبا لمصلحة الاستقرار، متعاطي المخدرات يتعاطى درءا لمفسدة الاكتئاب وجلبا لمصلحة الدماغ، أظن دي أحلى مصلحة.

لا يمكن أن تنزلق في سلسلة من التبريرات لأنك "تحب" أحد الشيوخ أو الدعاة، تحبه ليه هو جوز خالتك؟ هل بينك وبينه عيش وملح؟ فيه معرفة سابقة يا كابتن؟ هل تحب الدعوة والمبادئ أم تعبد أوثانا؟ المؤمن يدين بولائه لله، وينحاز لمن يدينون بنفس الولاء، ويسعى خلف إخلاصهم، ولذا فهو يحبهم ويساندهم، أما إذا أراد مقلب القلوب أمرا، فعلى أي ولاء تبقي؟ على ولائك لله أم للشخص؟ وحكاية الولاء لله دي عايزة عريضة هي راخرة.. من هو الله؟ الله هو العدل. هو ليس العادل، بل هو العدل ذاته، وهو الحق ذاته، وهو النور ذاته، ولا أعتقد، ولم أعتقد في يوم، أنه من العدل والحق والنور تجنب مواجهة الحاكم الظالم وظلمه الذي هو ظلمات يوم القيامة، والجور على أقلية دينية وإرعابها حتى ما عادت تشعر بإنها تقيم في بلادها، وشق صفوف الأمة وقذف فئة من المسلمين بالكفر والشرك والبدعة والنجاسة، ولم أعتقد يوما أنه من الحق والعدل والنور قبول المال والمساعدة والعون من قوة باطشة قاتلة طاغية، تدعم هيئة معونتها بصناعة السلاح الذي تحرق به أطفالا مثل "علي" (الطفل العراقي الذي فقد أطرافه وأسرته في قصف العراق)، والكتابة في صحفها التي تزيف الحقائق، وقبول الدعم من رئيسها الذي كان يظن أن الله يتحدث إليه ويطلب منه قتل الأبرياء. لكن البعض اعتقد أن هذا هو الحق والعدل والنور. إمممم، إذن حين يكتشف الفريق الأول الذي، استمرأ الجور على المستضعفين لمجرد اختلافهم في الدين، بأن مشايخه يعملون لحساب أمن الدولة، وحين يكتشف الفريق الثاني، الذي رضي بمقاطعة البيبسي وقبول المعونة، بأن داعيته يساند الحزب الوطني، من الطبيعي أن يبرر كل منهما لصنمه، ويبصما بالعشرة، ويدورا كل حول وثنه وينشد جميعهم: نحن غرابة عك عك، ويتحدثون عن المفسدة والمصلحة ويغرقونا بالرطانة الجوفاء... وكان يجب أن أتوقع ذلك، أنا بس اللي هابلة طول عمري... ماشي، أنا هابلة، بس "الأخوة" ما عندهمش أخلاق. خالص بقى، وأن تكون أبلها أفضل بكثير من أن تكون منعدم الأخلاق.
هذا ليس حديث في الدين، ولا هو حديث عن دين بعينه، هذه أخلاقيات إنسانية عالمية: أن تقول ما تفعل وتفعل ما تقول، ولا يعنيني إن كنت شيخا أو داعية (إلا يعني إيه داعية دي بقى إن شاء الله؟) أو قسا أو حاخاما أو سباكا أو نجار باب والشباك. 


نوارة نجم

ليست هناك تعليقات: